السبت، 7 يناير 2012

قصة قصيرة :المثابر


أيقنتُ أنَّ اليومَ سيمرُّ دونَ استطاعتي  مباشرةَ عملي بِمكتبِ الشَّركة، الجوُّ مطيرٌ،والسَّماءُ ملبَّدةٌ بالغُيُوم الثِّقال المُنذِرةِ بالمزيدِ مِن المَطَر،سيارتي "الصَّالون" تًكادُ تَغرقُ مِن أَسفلِ إطاراتِهَا إلى عند أبوابها..الطريقُ الترابيّ العسوف المؤدي إلى الإسفلتي لا يجرؤ الخائضون على خوضه فقد تحول إلى مجرى للمياه!!
عَلَى مَكتبِي بالشَّركة مَلَفاتٌ كثيرةٌ تحتاجُ إلى إجراءِ تصاديقَ،ظلَّت مكدَّسة وأصحابها ينتظرون،والمطر لا يزال مانعا من إنجاز العمل..هاتفي السيار مليئ بمكالمات الطالبين من أصحاب الملفات،مكالمة فائتة تتبعها أخرى.
خرجت لا ألوي على شيئ لأجد المارة خائضين غير آبهين بالمطر وقد علق بملابسهم طين لايخفى .
وصلت مكتبي وانهمكت في العمل،ملف في إثر ملف حتى أتيت على آخرها.
توقف المطر، فما اكفهرت السماء ولاسحَّت ولا قالت،بل باتت عصيَّة الدمع صافية الأديم،وتوقف سيل المكالمات فلا جرسٌ يرنّ ولا رسالةٌ ترد،وازداد يقيني أنه بمقدور الإنسان أن يُنجز ما دام عزمُه لا يني ونشاطُه لا يَهمُد!
   حين قفلت راجعا إلى بيتي ألفيته قد انهدم جانبه،باب يقف بلا حائط ،وغرفة قد خرَّ سقفُها فوقَ القواعد.
رنَّ هاتفي المحمول :
"أنا صاحب الملف رقم4،لا أريد موقعا وسط الحي، الخارطة تشمل متجرا يحتاج إلى موقع ركنيِّ تهوي إليه أفئدةُ الزَّبائن..غدا سآتي برفقة المهندس المسَّاح وسأشرع في البناء مباشرة."
صرخت في وجه المكالمة:"ولكن بيتي قد تهدّم ألاتفهمون؟!جرفه المطر ألا تسمعون؟!
سيارتي..أين سيارتي الصالون؟أهي تلك التي أراها أمامي وقد اندسَّ جزؤُها الأماميُّ في حفرة عميقة مما يسمِّيه أهلنا في الشمال ب "الكَرَكيَّة"؟
وجزؤها الأخير مرتفع إلى أعلى كأنما هي نبتة نماها المطرأو هي طفلة أفزعها الرعد فدسَّت وجهَهَا!!
تملَّكتني الحيرةُ ،جلستُ على تلَّة عالية من الرَّمل الخَرَصانيّ.
مِن عَلَى بُعدٍ سمعتُ هاتفي يرنُّ..يرنُّ وهو غارق في الماء.
لا سبيل إلى اللَّحاق به، فقد قذفتُ به في المياهِ ضَجَرا  فغطس وما انفك يرنُّ حتى صَحَلَ صوتُه وسكَتَ..وما سكتَ عنِّي الغضَبُ.!!
________________________________
كُتبت بالمستشفى الأحد:23/1/2011حين كان السيد الوالد ماكثا بمستشفى السلاح الطبي في الفترة من6/1إلى26/1/2011م.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق