الاثنين، 9 يناير 2012

التاسع من يناير زفرة الجنوب الأخيرة

التاسع من يناير زفرة الجنوب الأخيرة
هل تراني مغاليا في هذا العنوان الذي هو على نمط عنوان كتاب أسباني(زفرة العربي الأخيرة)الواصف لأبي عبدالله الزَّغْل آخر ملوك الأندلس وهو يودّع( الفردوس المفقود) ويجترّ المرارات القاتلة والدمع السخين يسيل على خده التاعس الأسيف؟
كان الزغل مترفا مفرِّطا ،وهو مولّد من امرأة من الفرنجة، وهي سياسة انتهجها النصارى(تزويج رجالات قصر بني الأحمر في أشبيلية بنصرانيات إفرنجيّات) لإيجاد جيل غير مكترث بقضاياه،ولهذا قالت له أمُّه الكلمة المشهورة :"لا تبك  كالنساء على مُلْك لم تحفظه كالرجال".!!
ليس من الغلوّ في شيئ أن تتداعى الأحزان على بلد لا يحسن إلا صناعة الأزمات لنفسه،واجترارالمآزق لذاته، ويقتطع من لحم جسده ليأكله الذباب وإن شئت فقل الكلاب!!
ذهب الجنوب بخضرته اليانعة وجسده الغض وزيته الوفير،ذهب تاركا الناس تتناوشهم النزاعات في أبيي، وشراء ذمم أبناء قبيلةالمسيرية الأعزاء وشقّ عصا وحدتهم ،والمترفون يتلمَّظون لقطرات رقرا قة من نفط الحياة تعبُر الأرض البلقع اليباب تنتظرجُباةَ السوء وهم  ُيودِعُونَ في جُيوبِهم الكظيظةِ وأرقام حسابم المثقلة حصيلة كدِّ السوداني وهو يترنَّح تلهبه سياطِ الجُوع تأكل عظامَه الواهنة،ولفحات من نار الحرب تلفح وجهه دون جريرة،بل أورثته جريحا من أهله تعذَّر برؤه أوشهيدا لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات!!.
أبدا ما هانت جوبا علينا ولا رمبيك:"وأسبح في النيل العريض،ومات ابن زيدون حزينا ،وقال أبوالطيب العبقري :"إن الهوى كله فاسد"!!:
وَحَقِّ الهَوَى مَا حِلْتُ يَوْمًا عَنِ الهَوَى
وَلكنَّ نَجْمِي في المَحبَّة قَد هَوَى
وَمَنْ كنتُ أرجُو َوصْلَه قتَلَني نَوَىً
وَأضْنَى فُؤادِي بالقَطِيعَةِ والنَّوَى
ليْسَ في الهوَى عَجَبٌ
إذْ أصَابَني النََصَبُ
حامِلُ الهَوَى تَعِبٌ
َيسْتَفِزُّه الطَربُ
أخُو الحُبِّ لا َينْفكُّ إلاَّ مُتيََما
غَريقَ دموعِ قلبهِ يشتكي الظَّما
لِفَرْطِ البُكا قَدْ صَارَ جِلْداً وَأعْظُمَا
فلَا َعَجَبَ أنْ يَمْزِجَ الدَّمْعَ بالدَّمَا!
الغَرامُ أنْحَلَهْ
إِذ أصَابَ مَقْتَلَهْ
إنْ بَكا يَحِقُّ لَهْ
ليسَ مابهِ لَعِبُ
إن لم تخنِّي الذاكرة في حفظ موشَّح صفيِّ الدين الحِلِّيِّ الأندلسيِّ.(كان جنوبيا هواها)!!
لم يكتمل الهلال ،ذهب الجنوب والذين أضاعوه أرادوا أن يقولوا للتاريخ"الحمدلله الذي أراحنا منه"بل قدقالوا(يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) (وهمّوا بما لم ينالوا) !!
في ذكرى ذهابه الأولى يذهب الجنوب إلى إسرائيل،ويسوء الذين أضاعوه أن يتهوّد،وماساءهم أنه يتضوّر صياما طال وصاله ولقد كان على الفطرة فمن الذي- ياترى- هوَّده؟ أليس هو الذي وضعه على كفّة خيار الانفصال وأذاق أبناءه سوء المعاملة فكان الانفصال بمثابة صك التحريرإلى غير رجعة"نحن الليلة اتحررنا"قالها باقان في يوم الانفصال!!.
ذهب الجنوب والسياسيون يحلو لهم أن يقطعوا حبال الوصال حتى يكاد أن ينهدم البناء وتتقوض تجربة المعارضة التي يراد لها الشتات ويخر السقف فوق القواعد فمن ذا الذي يفيد من هذا المشهد غير سلطة جاثمة تريد أن تبتلع كل شيئ الصيف والشتاء والربيع !!!
هل يسمعون؟
صخب الرعود؟
صخب الملايين الجياع ؟
ستعودأفريقيا لنا
قد لا تدرك المعارضة مدى أهمية أن تكون معارضة  ذات خطة جادة وقوية  في ساحة السياسة ليتم الوزن والتوازن، ويستقيم الرويّ و القافية،وعبثا تحاول السلطة أن تلغي المعارضة تارة بالاحتواء الذي هو فرِّق تسد،وتارة أخرى بالتهميش العمد الذي لا يجلب إلا الاحتدام والاحتراب والكيد،ومابقي من مساحة المليون المنهوب المشوَّه لايفي بهذا،ولايحتمل المزيد.
ذهب الجنوب والخطى في مجال التنمية تزداد تعثُّرا وشعار الشريعة يغدو أكذوبة مضحكة، والحريات مكبّلة مرصودة يُرادُ لها السكوت حتى من الذين تزعم السلطة أنها تحبهم من الزعامات المعتبرة:"ياسيد الصادق بس كلام كلام"لست أدري لماذا يريدون له السكوت،والإمام كلامه يكاد يكون نظما.
قال أبوالطيب:
وَمِنْ نَكَِدالدُّنيا عَلَى الفَتى أنْ تَرَى
عدوَّاً لك مَامِنْ صَداقَتِهِ بُدُّ

ذهب الجنوب وأحسن صديقي الصحافي " بهرام"بصحيفة السوداني أمس الأحد8يناير 2012حين أجرى حواره مع الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي السيد كمال عمربعدما أوقفت صحيفته (رأى الشعب) واعتقل من حزبه قادة كبار،وأحسن كمال غاية الإحسان لولا أنه نعى على الإمام منصب ابنيه،وهما سودانيان لايعيبهما أنهما تقلدا المنصب،وحتى لولم يكونا في صفوف المعارضة لا يُجَرَّمُ السِّيد الإمام بهذا،والمهم أيها السيد الكريم كمال ألا تفقد المعارضة الثقة في أشخاصها وأن تعمد إلى تنسيق جاد هدفه مصلحة البلاد" وليس كل معارض عدوّا خائنا أيتها الحكومة"!
ذهب الجنوب والحركة الشعبية تصول وتجول لتنال جنوبا آخر ينفك من الجسم الكبير فمن ذا الذي يرجع الحركة إلى الشمال بعدما أبعدتها عداوات صناع العداوات؟،ولو أن السلطة قرأتها باعتبارها رؤية سودانية تقع في فدان التنوع الفكري والثقافي لكان الأمر غير مانحن فيه من مهدد صهيوني واقتسام لثروة ما كان لها أن تذهب لولا رعونات صناع العداوات.
ذهب الجنوب والنيل الأـزرق ملف يستعصي؛وقد عاد كما كان  بالأمس القريب مهوى النزاع وبؤرة الحرب لأن الفالحين صناع العداوات حوّلوا القضية إلى ملف فردي اسمه (مالك عقار)،فلماخرج عقار ظنوه انتصارا والموضوع لا يعدو أن يكون زيتا  صب على نار زاد ت البلاد تأزما على أزماتها.
سنة تولي على ذهاب الجنوب،والنار ليست في الحروب وحدها ،وإنما في السوق أيضا فمن ذا الذي يجلى النظر ويعيده كرتين،ليرى حال الأسر الضعيفة أو الأشد فقرا أو سمّها ماشئت لترى كم هو بديع مصطلح التنمية المستدامة والوفرة والرفاهية إذا قارنته بمنظر إنسان السودان المترقب للربيع العربي  يهب في أرجائنا في حالة من الوسن الذي وصفه المتنبي وأيده شاعر الحقيبة؛قال أبوالطيب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
 بالأخرى المنايا فهو يقظان نائم
منظر الإنسان الطرفو نايم وصاحي !!
ذهب الجنوب وشباب بلادي ممن تخرجو في الجامعات ينتظرهم المستقبل المجهول فلا توظيف ولا استقرار وأنما الحلقة المرغة التي اصطلح الشباب على تسميتها ب(شركة لافي التجارية) وما( لافيّ) هذا إلا وصف للدوران واللف حول المجهول وهو العطالة المقنعةعن العمل،فاقرأ في دفتر الإنجاز عن الزلفى والوساطات والجهويات والختراقات لا على مستوى المؤسسات أو الجامعات،وإنما على مستوى الفرد بالتأثير عليه بالسحر والمخرقة والدجل والشعوذة فمن ذا الذي ينتظر الشريعة أو النماء في ظل هذه الطغمة الحاسدة التي تسرق الإرادة والإبداع وكل جميل يصدر عن انسان بلادي المسلوبة إرادته؟؟ 

                                                                                                ذهب الجنوب وحق لدموع العاشقين أن تنهمر:

 لعل انهمار الدمع يعقب راحة
من الوجد أو يشفي نجي البلابل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق